إضغط هنا لتنتقل 

مقالات

ابن أشيقر .. “المبروك”الذي بات أيقونة العقار في الدمام

نشأ في ظروفٍ صعبةٍ وحياة قاسية مليئة بالكفاح سعيًا إلى لقمة العيش، فواجهها بصلابة قلما نراها، رافعًا راية التحدي والثقة الكاملة في الله جل شأنه، فحفر بالعمل الجاد في صخرة الحياة الصلبة، حتى أوجد لنفسه مكانًا بين المكافحين واستطاع أن يُسجل اسمه في سجلات العصاميين ليجد نفسه بين أبرز أبناء جيله من رجال الأعمال، بل ويبرز أكثر وأكثر ليُشار إليه بالبنان عندما تأتي سير العقاريين ليس فقط في المنطقة الشرقية فحسب وإنما في المملكة بأسرها.

إنه علي بن عبدالعزيز الضويان، ابن أشيقر التي تركها طلبًا للرزق وهو في العاشرة من عمره متجهًا إلى المنطقة الشرقية وتحديدًا مدينة الجبيل التي تُعرف بعينين ولم يرده صغر سنه من المغامرة والسفر حتى يحصل على لقمة العيش التي كانت صعبة المنال في بلدته فقرَّر الرحيل ليبدأ رحلة البحث عن الرزق.

إلى ساحل البحر

فمنذ أن ولد علي الضويان في بلدة أشيقر عام 1347ه، وكانت قسوة الحياة عنوانًا لكل بلدات نجد تقريبًا، والبساطة تسود أهل القرى، والعمل ليل نهار، ومن يتقاعس في عمله لن يجد لقمة يسد بها رمق جوعه فالرجل يعمل من الفجر حتى مغيب الشمس مقابل ربع ريال، وأمام هذه القسوة قرَّر الضويان أن يرحل عن بلدته ليحسن من مستوى معيشته في مكان آخر، وقد كانت محطته ساحل البحر الأكثر فرصًا للعمل في ذلك الوقت.

على ظهور الجمال

وفي العام 1358ه وحين بلغ العاشرة من عمره قرر “علي” الالتحاق بابن عمه، الذي يعمل مع العقيلات وكان يُسافر إلى الأحساء والجبيل التي كانت تعرف بعينين حينها، وبدأت الرحلة من أشيقر إلى الجبيل على ظهور الجمال، استغرقت نحو عشرين يومًا بلا توقف إلا قليلًا، فالرحلة تستمر ليل نهار وتارة يمشون وأُخرى يركبون الجمال.

صلة الأرحام

ومنذ خروجه من بلدته أشيقر كان همه الأول والأخير أن يشتري لأبيه وأمه كيس طبيخ وهو الاسم القديم للأرز ويرسله لهم مع أول قافلة إلى أشيقر، فكان وصله بوالديه وأقاربه نابعًا من إيمانه الكامل بأهمية صلة الأرحام، فكان بارًا بوالديه وأقاربه بشكل مُلفت وعندما وسَّع الله عليه من رزقه اشترى لكل من شقيقاته وأقاربه منزلًا مع منحهم مبالغ نقدية.

أصول التجارة

وبعد وصوله إلى “عينين” الجبيل حاليًا عمل عند عبدالرحمن بن راشد آل بوعينين، ومن ثم انتقل للعمل عند التاجر المعروف عبدالرحمن بن صالح السحيمي ليعمل لديه قرابة السنتين، ثم عمل مع أسرة القاضي المعروفة وهي من أوائل الأسر التجارية بالمنطقة الشرقية، الذين كانوا خير معين له بالتجارة ولم ينس فضلهم عليه، وكان دائمًا يردد أن أسرة القاضي لهم الفضل بعد الله عليه في معرفة أصول التجارة، وباتوا أقرب أصدقائه خاصة بعد انتقالهم جميعًا من الجبيل إلى الدمام.

البداية كانت تجارية

وبعد أن توفر لديه القليل من رأس المال، اتخذ قراره بأن يبدأ في التجارة، فبدأ بشراء الأقمشة وبيعها حتى أصبح يمتلك ألف روبيه، ومن ثم قرر بعدها تغيير النشاط إلى تجارة المواد الغذائية التي يحتاجها الناس بشكلٍ دائم ولا غنى لهم عنها خاصة وأن الحرب العالمية قد أثرت على كل شيء وخاصة التجارة، وبدأ في تجارة الأرز بشراء أرز “كراتشي” يجلبه من باكستان، فكان يشتري الكيس بعشر روبيات ويبيعه بسبع عشرة روبية، وبدأ في التوسع بتجارته فسافر إلى الرياض واشترى قرابة “خمسين طاقة” قماش وحملها على سيارة كانت متجهه إلى الكويت، وتاليًا حمل بضاعته على الجمال واتجه إلى الجبيل وقطع المسافة في ثمانية أيام وبعد وصوله باع البضاعة وحقق مكاسب بلغت 1500 روبية.

التفاف الناس حوله

وفي هذه الأثناء كانت الحرب العالمية الثانية في أوجها وهتلر يضرب المدن ويحتلها وكان لدى الضويان مذياع (راديو) يستمع من خلاله إلى إذاعات دلهي وروما ولندن وبرلين، وكان الناس يلتفون حوله ويجتمعون عنده لسماع الأخبار وعندما ذهب إلى بلدته أشيقر تكرر المشهد حيث يأتي الناس إلى منزل أهله للاستماع إلى القرآن الكريم وقت بثه من خلال جهاز المذياع الذي جلبه معه وكان يندر الحصول عليه في تلك الفترة.

تكوين الأسرة

وبعد أن جمع مبلغًا من المال وكان يُقدر حينها بعشرين ألف روبية غادر علي الضويان الجبيل متجهًا إلى أشيقر للزواج وتكوين الأسرة، وكان ذلك عام 1362ه ولم يأخذ معه من المبلغ سوى 300 روبية، مُقسمه إلى مائة روبية مهر، والمائة الأُخرى لتكاليف الزواج، أما الثالثة فكانت لتغطية مصاريف عودته مرة أُخرى إلى الجُبيل، وبعد شهرين من الزواج عاد إلى الجبيل ليكمل مسيرته التجارية، وكان قد رزقه الله تعالى بعد ثلاث سنوات من زواجه بابنه الأكبر صالح، الذي أُصيب وهو في العاشرة من عمره بمرض غير معروف فذهب به إلى المستشفى العسكري بالرياض، وصدر له أمر من الحكومة بالعلاج على نفقتها في بيروت، فسافر على طائرة الداكوتا من مطار الظهران، وكانت هذه أول رحلة خارجية له.

استيراد البضائع

وبعد انتهاء فترة العلاج لابنه صالح في بيروت عاد إلى الظهران، ولكن عاود المرض مهاجمة ولده مرةً أُخرى وتوفاه الله بعد أن بلغ الثانية عشرة من عمره.

وفي عام 1380ه انتقل الضويان من الجبيل إلى الدمام التي كانت مدينة صغيرة وعدد سكانها قليلًا، وكانت الحياة بسيطة والسيارات قليلة جدًا فاشترى أول سيارة له بمبلغ ألف ريال، وبدأ في أعمال تجارية من خلال  استيراد بضائع هولندية وأمريكية والتي حقق من خلالها مكاسب كبيرة وأخذ ينظر ماذا يفعل التجار ويفعل مثلهم فبدأ بأخذ عناوين الشركات ويكتب لهم ما يريد من بضائع بعد أن فتح لنفسه اعتمادًا في البنك الأهلي، وبعد شهرين تصل البضائع فيصرفها ويكسب منها.

الانطلاقة الحلم

بدأ الضويان فعليًا في تجارة العقارات عام 1385ه فقد اشترى “بلوك” من البنك الأهلي التجاري على شارع الظهران بمدينة الدمام بمبلغ 260 ألف ريال دفع مبلغها كاملًا ثم شرع في تخطيط البلوك وقسمه إلى عدد من القطع ليبيع كل قطعة لوحدها، حتى يُسهل على نفسه بيعها، وبالفعل ربح منها نحو 250 ألف ريال حتى ظن أنه يحلم كونه حقق هذا الربح خلال شهرين لينطلق بعدها في عالم العقار يبيع ويشتري وكان من أبرز تجار العقار في تلك الفترة.

صفقات عقارية

وفي العام 1388ه اشترى قطعة أرض واسعة من الدكتور مدحت شيخ،  مساحتها 450 ألف متر مربع باع جزءًا منها إلى رجل الأعمال المعروف عبداللطيف جميل حيث مقر مركز شركة تويوتا الحالي بالدمام بسعر للمتر بلغ 4 ريالات مشترطًا أن تكون هذه الأرض مقرًا لشركة تويوتا بالدمام وكان له ذلك وبعد تواجد شركة تويوتا بدأت محلات قطع غيار السيارات تتواجد بكثرة وعرف الشارع عند العامة باسم شارع تويوتا “آنذاك” قبل أن يطلق عليه لاحقًا شارع الملك سعود، وأقام الضويان على جزء كبير من الأرض سوق الحياة بلازا الذي لازال يستقطب آلاف الزوار يوميًا، كما باع الجزء الجنوبي منها بسعر عشرين ريال للمتر الواحد وفي صفقة عقارية مماثله اشترى مزرعة العليان المجاورة لمكاتب شركة الكهرباء بالدمام وخطط الأرض وباعها بالقطع.

الخير للجميع

معروف عن الضويان بحبه للخير، ويروى عنه أنه باع قطعة أرض إلى أحد المواطنين بمبلغ 57 ألف ريال وبعد فترة من الزمن أبلغه ذلك المشتري أنه باع تلك الأرض بسبعة ملايين ريال فرد عليه “الله يبشرك بالخير” وكان هذا نهجه يحب الخير للجميع، فهو يفرح لمن يربح بالتعامل معه في البيع والشراء، واستمر الضويان في الشراء والبيع في الأراضي وتحقيق النجاحات، ورغم ما كان يُعرف عن الأراضي والعقارات التي يبيعها الضويان بأنها الأعلى سعرًا في السوق العقاري، إلا أن تجار المنطقة الشرقية كانوا يقولون “نشتري من الضويان غالي، ولكنه شخص مبروك نربح من وراءه مباشرة”.

الطفرة العقارية

ورغم الطفرة العقارية التي شهدتها المملكة العربية السعودية في بداية التسعينيات الهجرية والتي تضاعفت خلالها أسعار الأراضي وحققت لملاكها المكاسب الكبيرة والضويان كان أحدهم، إلا أن هناك من خسر كل أملاكه، ويعلل الضويان سبب تلك الخسائر بأن الذين تكبدوا خسائر إبان الطفرة العقارية هم من اقترضوا من البنوك واشتروا أراضي بمساحات واسعة واحتفظوا بها طويلًا وتفاجأوا بنزول قيمة الأراضي والبنوك تطالبهم بالتسديد والأراضي التي يملكونها لا تسدد مطالبات البنوك وبذلك تعرضوا لخسائر كبيره رغم الطفرة العقارية.

الشراء بقدر ما تملك

والضويان مقتنع بأنه يتوجب أن يشتري بقدر ما يملك من المال ويستفيد من دوران رأس المال ولم يكن يقترض من البنوك أبدًا وبذلك لم يتضرر إطلاقًا، إذ كان يؤمن بمقولة أن “العقار يمرض ولا يموت”، ويقول إن الشواهد على ذلك كثيره فعندما تنخفض أسعار العقارات لا يستمر هذا الانخفاض دائمًا وإنما بضعة سنوات ثم يعاود للارتفاع مجددًا وهذا ما عاصره في مسيرته العقارية التي قاربت الستة عقود.

ومن وجهة نظر الضويان، أن يُقسم العقار لثلاث تخصصات ويضم القسم الأول تجار العقارات الممارسين للبيع والشراء، والقسم الثاني فيختص بإدارة العقارات ويشمل العقاريين العاملين في إدارة المنشآت العقارية بمختلف أنواعها، ثم القسم الثالث وهو سمسرة العقارات والذي يعمل به من يقوم بالتوسط بين المالك والمستأجر لتأجير العقارات التجارية.

أصعب المواقف

وفي الصحراء حدثت أحد أصعب المواقف التي مرت على الضويان في حياته، فأثناء مروره بمنطقة الدهناء غاصت سيارته بالرمال وأثناء محاولته رفعها وقعت على قدمه حتى سالت الدماء منها فوضع عليها الطين وواصل المشي عليها، وهذه قصة من عشرات القصص والمعاناة التي عاشها هو وأبناء جيله في مسيرة طلبًا الرزق.

أعمال الوقف

وقد كانت أعمال الوقف والحرص على إقامتها واحدة من أهم القرارات في مسيرة حياة الضويان، إذ أوقف بعد تحويل شركته إلى شركة مساهمه ثلث أسهمها للأعمال الخيرية لتبقى أوقاف الشيخ علي الضويان واحدة من الأوقاف المانحة في المملكة التي من شأنها المساهمة في خدمة المجتمع، فهي تعنى بتقديم المنح للمشاريع والمبادرات المجتمعية المتركزة في المجال التعليمي والاجتماعي والتأهيلي.

وبعد عقود من الكفاح والجهد والعزيمة والإصرار على النجاح في ظروف صعبة لاسيما في بداياته بدءًا من تحقيق حد الكفاف ومرورًا بأحوال مختلفة حتى الوصول للمكاسب ودرجة الثراء ودع الضويان هذه الدنيا منتقلًا إلى رحمة ربه يوم الثامن من رجب 1442ه الموافق عشرين فبراير 2021م، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه جنته.

 

  • (الكاتب مجلة الاقتصاد)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى