الشيخ محمد بن علي بن إبراهيم العرفج، علمٌ من أعلام المجتمع، كان –
رحمه الله- رجلاً بأمة، آيةً في الدين والخلق -نحسبه والله حسيبه-، باذلًا من وقته
وماله وصحته لخدمة دينه ومجتمعه، رجل سهل المعشر، بشوش الوجه، طلق
المُحيّا، طيب النفس، فكه الأخلاق، يتألق في جبينه نور الإيمان، ويترقرق في
وجهه صدق النية ونقاء السريرة.
ولد -رحمه الله- بأشيقر عام 1358هـ، والتحق بالكتاتيب، وعندما افتتحت
مدرسة أشيقر الابتدائية عام 1369هـ التحق بها، وتدرج في مراحلها التعليمية
حتى تخرج فيها عام 1374هـ، ثم انتقل إلى الرياض والتحق بالمعهد العلمي
بالرياض وتخرج فيه عام 1379هـ، ثم التحق بكلية الشريعة بالرياض وتخرج
فيها عام 1384هـ.
عُين مدرسًا -بعد تخرجه من الجامعة- بمعهد المجمعة العلمي التابع لجامعة
الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ليلتحق بعد ذلك بوزارة المعارف وينتقل إلى
مدينة الرياض مدرسًا بمتوسطة حطين بالرياض، ثم مدرساً بمتوسطة ابن خلدون،
ثم وكيلاً لمتوسطة العباس، فمديراً لمتوسطة ابن قدامة، ليختم مسيرته التعليمية
مديراً لثانوية موسى بن نصير منذ تأسيسها عام ١٤٠١هـ وحتى إحالته على
التقاعد في ١/٧/١٤١٨هـ.
قضى حياته باذلًا لخدمة دينه ومجتمعه داعيةً، ومربيًا، وناشطًا في مجال
العمل الخيري، ومصلحًا ومستشارًا أسريًا.
ففي مجال الدعوة كان للشيخ حظٌ وافرٌ من العطاء في هذا الميدان وتنوعت
مشاركاته الدعوية فكان -رحمه الله- إمامًا وخطيبًا لجامع العرفج بحي شبرا في
الرياض منذ عام 1400هـ، حتى 1433هـ، وساهم في إلقاء المحاضرات
والمشاركة في الندوات التي تعقد بشكل دوري في جامع الإمام تركي بن عبدالله
بوسط الرياض بحضور كبار العلماء وعلى رأسهم الشيخ الإمام عبدالعزيز بن باز
-رحمه الله-، وألقى بصفته عضو دعوة متعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية
والأوقاف والدعوة والإرشاد من خلال مكاتب الدعوة وتوعية الجاليات بالرياض
كثيرًا من الدروس والمحاضرات والكلمات التوجيهية في عدد كبير من مساجد
المملكة العربية السعودية، وعمل لسنوات عضوًا بالتوعية الإسلامية في موسم
الحج حتى عام 1427هـ ، وشارك في إذاعة القرآن الكريم ببرامج دعوية متنوعة
كان أشهرها برنامج قراءة صوتية لكتاب تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام
المنان والمعروف بتفسير السعدي للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي في
(721) حلقة، وأعيد في دورات إذاعية كثيرة ولا زال يعرض حتى الآن إضافة
إلى مشاركاته المتعددة ولسنوات بإعداد أحاديث الصباح بالبرنامج العام بالإذاعة ،
وإذاعة القرآن الكريم، كما عمل ولسنوات كثيرة مديرًا لدورات تحفيظ القرآن
الكريم لمعلمي المرحلة الابتدائية، وكانت له مشاركات علمية في تأليف الكتب
والرسائل من أهمها: كتاب: شرح رسالة الدروس المهمة لعامة الأمة للشيخ ابن
باز، وكتاب: ما لابد من معرفته عن الإسلام عقيدة وعبادة وأخلاقاً، وكتاب: نداء
رب العالمين لعباده المؤمنين، وكتاب: خطب المنبر جمع فيه عددًا من الخطب التي
ألقاها، وعددًا من الرسائل التوجيهية القصيرة وترجمت بعض هذه الرسائل إلى
اللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والأوردو والإندونيسية.
وفي مجال العمل الخيري كان -رحمه الله- ناشطًا ومؤثرًا وصاحب أيادي
بيضاء في هذا المجال، ساهم في تأسيس عدد من الجمعيات واللجان الخيرية،
وشارك في عضوية عدد آخر منها، وامتدت مسيرته في مجال العمل الخيري
لأكثر من أربعة عقود، وتعتبر جمعية أشيقر الخيرية التي تأسست عام 1413هـ
أحد ثماره، حيث تولى العمل فيها مؤسسًا ونائبًا لرئيس مجلس الإدارة ثم رئيسًا
حتى عام 1437هـ حيث أقعده المرض، كما كان عضوًا بالجمعية الخيرية
لتحفيظ القرآن الكريم بالرياض وتوابعها، ورغم كبر سنه وكثرة مشاغله فقد كان –
رحمه الله- حريصًا على تطوير ذاته ومهاراته في مجال العمل الخيري فكانت له
مشاركات متعدد في عدد من المؤتمرات والملتقيات الخاصة بالعمل الخيري في
عدد من مدن المملكة العربية السعودية، من أبرزها مشاركاته المتعدد في اللقاء
السنوي للجهات الخيرية بالمنطقة الشرقية، الذي تنظمه جمعية البر بالمنطقة
الشرقية وحرصه خلال هذه اللقاءات على المشاركة في أكبر قدر ممكن من
الدورات وورش العمل، فكانت هذه المشاركات وهو في سن متقدم مثار إعجاب
وتقدير من الحضور.
أما في مجال العمل الاجتماعي فكان -رحمه الله- مصلحًا أسريًا، مستشارًا
متميزا في مجال الأسرة والعلاقات الزوجية، وتربية الأطفال، بل كان من الروّاد
الأوائل الذي عملوا في هذا المجال، أسس في جمعية أشيقر لجنة خاصة بمساعدة
الشباب على الزواج والاستشارات الأسرية، وشارك في تقديم الاستشارات
الأسرية من خلال التواصل الهاتفي واللقاءات المباشرة، فحمى الله به بيوتًا وأسرًا
كادت أن تتفكك، وأطفالًا وشبابًا كادوا أن يتيهوا في خضم الحياة، كان -رحمه الله-
متابعًا لكل ما يستجد من كتب ودراسات ورسائل ومجلات متخصصة في مجال
الأسرة والشباب، مجتهدًا في التعرف على أحدث وأنجع الوسائل المتعلقة بالمشاكل
الأسرية.
وفي المجال التربوي والتعليمي عاش عمره كله في مجال التربية والتعليم
معلمًا ومديرًا ومربيًا، فكان نعم المعلم والمربي، تخرج على يديه الكثير من
الطلاب الذين نفع الله بهم المجتمع، وكان بخلقه الرفيع، وتواضعه الجم، وبشاشته
التي لا تفارق محياه، وسعة صدره في الاستماع إلى كل من يتردد على مكتبه،
قدوة حسنة لزملائه المعلمين.
وباختصار شديد كانت حياته كلها لله، حياة نقاء وصفاء وصدق وإخلاص
ووفاء، ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ
وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ الأنعام: 162، 163
هذا هو محمد بن علي العرفج -رحمه الله- رجل صَدَق الله فصَدَقه، وأحب الله
فحبب إليه خلقه، اجتمعت فيه -نحسبه والله حسيبه- خصال يندر أن تجتمع في
رجل واحد فمن تقوى وإخلاص وورع وخشية لله، إلى بذل وعطاء، إلى كرم
وسماحة بشاشة وخفة نفس.
في العام 1433ه وفي طريق ذهابه مع زوجته إلى مكة المكرمة بعد عيد
الفطر لصيام الست من شوال تعرض مع سائقه لحادث سير أليم في مدينة ظلم بين
مكة والرياض ووجَّه نائب خادم الحرمين الشريفين الأمير سلمان بن عبدالعزيز
حفظه الله وجزاه خيرًا بنقل الشيخ وزوجته بالإخلاء الطبي إلى مدينة الرياض
ونتج عن الحادث إصابة الشيخ بكسور متفرقة ثم بعد فترة فقد بصره، ثم تضاءلت
ذاكرته شيئا فشيئا حتى فقد أغلبها، وعاش آخر أربع سنوات من عمره رهين
المحبسين (العمى، فقد الذاكرة)، وتوفي -رحمه الله- في صباح يوم الأربعاء 18 –
12 – 1442هـ الموافق 28 – 7 – 2021م عن عمر ناهز (84) أربعة وثمانين
عامًا، وصلي عليه في جامع عبدالله المهيني وقبر في مقبرة الشمال بمدينة
الرياض. رحم الله الشيخ محمد وجعل ما أصابه رفعة لدرجاته وتكفيرًا لسيئاته،
وجزاه عن المسلمين خيرًا الجزاء، وأسكنه فردوسه الأعلى.
كتبه/ إبراهيم بن محمد بن إبراهيم السماعيل
24 / 2 / 1445هــ
